روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | أيها الشباب احذروا المنافق سليط اللسان وأن تقلدوا دينكم الرجال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > أيها الشباب احذروا المنافق سليط اللسان وأن تقلدوا دينكم الرجال


  أيها الشباب احذروا المنافق سليط اللسان وأن تقلدوا دينكم الرجال
     عدد مرات المشاهدة: 4451        عدد مرات الإرسال: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

«أخوف ما أخاف على هذه الأمة كل منافق سليط اللسان» الحديث رواه أحمد.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير رسل الله أجمعين وعلى آله وصحبه الطيبين.

من أوجب واجبات ولاة أمر المسلمين بعد أن يَحْكُموا الرعية بشرع الله المصطفى ويقيموا العدل وينصروا المظلوم ويرفعوا الضيم عن الفقراء والمعوزين، ويحمو جوزة الدين وذلك بأن لا يولوا أو يسلطوا عليهم أحداً من أهل البدع والمنافقين والمفسدين، ولا يمكنوهم من أن يأمُّوا الناس ويتصدروهم في وسائل الإعلام وغيرها، لا كما يحدث الآن في كثير من ديار الإسلام، يحجر على الأخيار ويمنعون من الإمامة والتدريس ويفسح المجال لغيرهم من علماء السوء والمتزلفين، وليكن لهم في الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين القدوة الحسنة والمثال الذي يحتذى.

ها هو عمر أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنه، كان يخشى على نفسه من النفاق بعد مدح الله ورسوله وثنائه عليه وعلى إخوانه من الصحابة الأخيار، حيث لم يأمن مكر الله عز وجل، يسأل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين ويناشده قائلاً: هل سمَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟ فقال له: لا. ثم أردف ذلك قائلاً: هل في عمالي أحدٌ منهم؟ قال: نعم، ولكنه أبى أن يسميه له، فما كان من عمر -لأنه كان من كان من الملهمين المحدثين ومن أصحاب الفراسة الصادقة- إلا أن عزله في الحال.

أمَّا بعد..

فقد حذَّر رسولنا الناصح الأمين أمته من جملة ما حذرهم وخوفهم منه المنافق السليط اللسان، المنافق -نفاق الإعتقاد- أياً كان فإن ضرره عظيم، وخطره جسيم، فكيف إن انضم إلى نفاقه سلاطة لسانه، وشدة ذكائه، وجرأة فائقة، وعدم خوف وإستحياء من الله؟! حيث قال صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف على هذه الأمة، كل منافق عليم اللسان» رواه أحمد ج1/22 و44 وقال محقق السير ج4/88 في الهامش: سنده قوي.

وفي رواية: -سليط اللسان- أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدَّث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسبب تحديث عمر بذلك كما قال الذهبي وغيره: أن الأحنف بن قيس سيد أهل البصرة كان فاضلاً فصيحاً مفوهاً، فقدم على عمر فحبسه عنده سنة يأتيه كل يوم وليلة فلا يأتيه عنه إلا ما يحب، ثم دعاه فقال تدري لم حبستك عندي؟ قال: لا، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا فذكره، ثم قال: خشيت أن تكون منافقاً عليم اللسان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا منه، وأرجو أن تكون مؤمناً فإنحدر إلى مصرك، فيض القدير للمناوي ج1/222.

وفي رواية قال له: قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنا كنا نتحدث، إنما يُهلك هذه الأمة كل منافق عليم اللسان، السير ج4/98.

يُستفاد من هذا الحديث ومما صنعه عمر بالأحنف أمران هما:

1= خطورة المنافق عليم اللسان على الأمة، سيما أنصاف المتعلمين والعوام منهم.

2= حرص عمر رضي الله عنه على حماية جوزة الدين وإهتمامه بالرعية وخوفه وحذره مما يكون سبباً لفساد العقائد والتصور.

المنافق السليط اللسان هو من يكون عنده حظ من العلم وملكة في الحفظ، وحرصٌ على الزعامة، وعدم خشية من الله وجرأة على دينه.

قال المناوي: كل منافق عليم اللسان، أي عالم للعلم، منطلق اللسان به، لكنه جاهل القلب والعمل، فاسد العقيدة، يغر الناس بشقشقة لسانه، فيقع بسبب إتباعه خلق كثير في الزلل، وقد كان بعض العارفين لا يظهر لتلميذه إلا على أشرف أحواله خوفا أن يقتدي به فيها أو يسوء ظنه به فيها فلا ينتفع.

فساد كبير عالم متهتك *** وأكبر منه جاهل يتنسك

هما فتنة للعالمين عظيمة *** لمن بهما في دينه يتمسك

قال الذهبي: لعن الله الذكاء بلا إيمان -يعني خشية وخوف- ورضي الله عن البلادة مع التقوى، السير ج14/62.

ولله درابن المبارك القائل:

وهل أفسد الدين إلا الملوك *** وأحبار سوءٍ ورهبانها؟!

اعلم أخي الشاب أن هذا العلم دين فإنظر ممن تتلقى دينك، فقد روي عن ابن سيرين ومالك رحمهما الله أنهما قالا: إن هذا العلم دين فإنظر ممن تاخذ دينك، فالدين رأس المال فإستمسك به  فضياعه من أعظم الخسران، فالمصيبة كل المصيبة أن يصاب المرء في دينه:

إن المعزَّى من يصاب بدينه *** لا من يرزى ناقة وفصالها

والدين لا يعرف إلا عن طريق العلم الشرعي وبمجالسة العلماء ومزاحمتهم بالركب.

فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يأخذ دينه من كل من هب ودب، ولكن عليه أن يتحرى أصحاب العقيدة السليمة، والمنهج الحق، لأن العلم منه ما هو نافع وما هو ضار ولهذا إستعاذ صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع، للعالم المتحقق بالعلم النافع إمارات ذكرها الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات [ج1/ 93] إليك موجزها:

1- أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم وملازمته لهم وهكذا كان شأن السلف الصالح.

2- العمل بما علم حتى يكون قوله مطابقاً لفعله فإن كان مخالفاً له فليس بأهل لأن يؤخذ عنه، ولا أن يقتدى به في علم.

3- الاقتداء بمن أخذ عنه والتأدب بأدبه كما علمت من اقتداء الصحابة بالنبى واقتداء التابعين بالصحابة وهكذا في كل قرن.

ثم بين رحمه الله طريقي تلقي العلم وهما:

1. المشافهة: أي تلقيه بمزاحمة العلماء بالركب، فهي أنفع الطريقين وأسلمهما.

2. والطريق الثانى مطالعة كتب أهل السنة- وذلك بعد أن يحصل على مفاتح العلم من المشايخ، أما قبل ذلك فإن التعامل مع الكتب من غير شيخ يبين ويوجه فله مخاطر، ورحم الله أبا حيان الأندلسي القائل:

يظن الغمر أن الكتب تهدي *** أخا جهلٍ لإدراك العلوم

وَما يَدري الجَهولُ بِأَنَّ فيها *** غَوامِضَ حَيَّرت عَقلَ الفهيم

= لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلُح به أولها:

أيها الشاب عليك بالعتيق، عليك بما كان عليه أهل الإسلام في القرون الثلاثة الفاضلة، وإحذر بنيات الطريق وأخذ العلم من الأئمة المضلين وإستصحب قول رسولك الناصح الأمين حين قال: «إن الله لا يقبض العلم ينتزعه إنتزاعاً من الناس، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» وذكر الشاطبي عدداً من الآثار تحذر من إتخاذ الأئمة المضلين -الموافقات ج4/17.

عن عمر رضي الله عنه قال: ثلاث يهدمن الدين: زلة العالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون.

وعن ابن مسعود: ستجدون أقواما يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدع، وإياكم والتنطع، وعليكم بالعتيق.

وعن عمر: سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالأحاديث، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله.

وعن ابن مسعود أنه قال: ليس عام إلا الذي بعده شر منه، لا أقول عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب خياركم، وعلمائكم، ثم يحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيهدم الإسلام، ويثلم -الموافقات ج1/98-.

*أيها الشاب عليك بإتباع الماضين واحذر بدع المضلين، الخير كل الخير في التباع والشر الذي لا يدانيه شر في الإبتداع في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً.

قال مالك رحمه الله: لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها -المعيار المعرب ج2/472، وقال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وكان صالح أولها بإتباع الوحيين.

قال الشاطبي: والحذر الحذر من مخالفة الوحيين، فلو كان ثمة فضل ما، لكان الأولون أحق به -الموافقات ج3/71.

لهذا عدَّ العلماء موت المبتدع فتحاً في الإسلام وإغلاق باب الضرر على الناس سيما إن كان داعياً زلق اللسان، كما أن موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما تعاقب الليل والنهار.

لله در معاذ بن جبل أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام حيث كان لا يجلس مجلساً للذكر -العلم- حيث يجلس إلا قال: الله حكم قسط، تبارك إسمه، هلك المرتابون، إن وراءكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والحر والعبد، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني؟ وقد قرأت القرآن؟! وما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم ومن إبتدع، فإن ما إبتدع ضلالة -أبو نعيم في الحلية ج1/232-233.

*لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره

*الضلالة كل الضلالة: أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت تعرف، فالدين لا يعرف بالرجال، ولكن يعرف الرجال بإتباعهم للدليل والدوران معه حيث دار، ولهذا قال أمير المؤمنين علي: لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره.

قال ابو المصفر السمعاني رحمه الله:

تمسك بحبل الله واتبع الهدي *** ولا تكُ بدعياً لعلك تفلحُ

ولُذ بكتاب الله والسنن التي *** أتت عن رسول الله تنجو وتربح

ودع عنك آراء الرجال وقولهم *** فقول رسول الله أزكى وأنجحُ

إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه *** فأنت على خيرٍ تبيتُ وتصبحُ

ولله در مالك عندما جاءه أحد أهل الأهواء  المبتدعة وقال: أريد أن أناظرك في الدين، فقال له مالك: إن غلبتني؟

قال: تتبعني.

قال: وإن غلبتك؟

قال: أتبعك.

فقال: وإن جاء ثالث فغلبنا؟

قال: نتبعه.

فقال له مالك: أنت ليس عندك دين، أو كما قال.

نماذج لما تعارف عليه أهل الحق والعدل سلفاً وخلفاً إلى أن تقوم الساعة، وأنكرها بعض الأئمة المضلين:

1) إعتبار أن القياس والإجماع ليسا من مصادر التشريع.

2) القيامة الجامعة.

3) نزول عيسى عليه السلام.

4) قتل المرتد.

5) رجم الزاني المحصن.

6) رفع الكفر عن اليهود والنصارى.

7) إنكار كثير مما هو معلوم من الدين ضرورة.

8) رد كثير من الحاديث الصحيحة بشبه باطلة.

وغيرها كثير.

*اعلم أخي الحبيب أن خلاف العلماء ليس مصدراً من مصادر التشريع وأن الحق عند الها واحد لا يتعدد:

ولهذا قيل:

وليس كل خلافٍ جاء معتبراً *** إلا خلافاً له حظ من النظر

ورحم الله القائل: من تتبع رخص العلماء وزلاتهم -وليس أهل الأهواء أمثال الأئمة المقتدى بهم- تزندق أو كاد، وتجمع فيه الشر كله.

قال أبو شامة: حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد لزوم الحق وإتباعه، وإن كان المتمسك به قليلاً والمخالف له كثيراً، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي وأصحابه، ولا تنظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم -شرح العقيدة الطحاوية ص245.

قال معاوية لابن عباس رضي الله عنهم: أعلى ملة ابن أبي طالب أنت؟ قال: لا، ولا على ملتك، ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله.

أيها الشاب الحريص على دينه، لقد اكثرتُ عليك من النقول التي تحذر من المنافقين سليطي اللسان، ومن الأئمة الضلال، ومن أن يقلد المرء دينه الرجال، وأن الدين ليس بالرأي والتحذير من الانخداع بزلات وهفوات العلماء، دعك من الأدعياء.

ولذلك قال ابن عباس: ويل للأتباع من عثرات العلماء.

والقليل من هذا يكفي المنصف، وأكثر منه لا يكفي المتعسف، وفقنا الله وإياك للانصاف واتباع الحق، وأن ندور مع الدليل حيث دار، وألا نقدم قول أحد كائناً من كان من الرجال على قول الله ورسوله وإجماع الصحابة الأخيار.

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وصلى الله وسلم على خير الورى، وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم اللقاء.

الكاتب: الأمين الحاج محمد أحمد.

المصدر: موقع الدين النصيحةُ.